الإستراتيجيات الصناعية
منذ ما يربو على ثلاثة عقود مضت ، والحديث لا ينقطع عن حتمية وضع تصور استراتيجي لدور الصناعة في الاقتصاد الكويتي. وظلت الدعوة الى ضرورة وضوح الرؤية العامة لهذا الدور وتحديد الوزن النسبي للقطاع الصناعي في تنويع القاعدة الإنتاجية ، مثار اهتمام جميع فعاليات المجتمع من رجال أعمال ومستثمرين صناعيين ، ومن مهتمين بشئون الأدارة الاقتصادية في البلاد والمسئولين عنها ، على السواء.
على أنه ونتيجة لغياب مثل هذا التصور ، فقد واجه القطاع الصناعي في دولة الكويت العديد من القيود والعقبات التى أحاطت بمسيرته . فرغم التوجهات المعلنة بشأن تعزيز التنمية الصناعية كأحد الوسائل الرامية الى تحقيق هدف تعدد مصادر توليد الدخل، والتى وجدت ترجمة لها في العديد من الوثائق ، وفي مقدمتها قانون الصناعة رقم 6 لسنة 1965 الذى استهدف توفير متطلبات النهوض بالقطاع الصناعي من خلال النص على قائمة طويلة من التسهيلات والحوافز التى تقرر منحها للمنشآت الصناعية.. لا يزال نصيب هذا القطاع في توليد الدخل لا يمثل سوى نسبة ضئيلة لم تتجاوز (12%) من الناتج المحلى الاجمالى في عام 1998، بل أن هذه النسبة تنخفض الى حوالي (4%) اذا ما استبعد نشاط تكرير النفط وما يرتبط به من صناعات بترولية.
صحيح أن دولة الكويت - مع ارتفاع القدرة التمويلية التى وفرتها لها العائدات من النفط - قد تمكنت من بناء احتياطيات مالية شكلت عائدات استثمارها خارج البلاد (بصفة رئيسية) مصدرا يعتد به للدخل القومي ، الا أنه لا تخفي خطورة الاعتماد على هذا المصدر كبديل مقبول لتجنب التقلبات الحادة التى يتعرض لها الدخل النفطي. ذلك أنه يشابهه تماما من حيث خضوعه لمتغيرات خارجية يصعب السيطرة عليها.
وعلى أية حال فان ما ينبغي التأكيد عليه ، هو انه اذا كان غياب رؤية واضحة لدور القطاع الصناعي في تنويع البنيان الانتاجى المحلى ، أمرا مقبولا في الماضي.. فقد أصبح من غير المقبول الان في ظل المتغيرات التى طرأت في السنوات الأخيرة وما صاحبها من تفاقم حدة العديد من الاختلالات في بنية الاقتصاد والمجتمع الكويتي على نحو يشير الى صعوبة الاستمرار بنفس النهج الذى ظل سائدا خلال السنوات الطويلة السابقة. وتتأكد أهمية ذلك الأمر - على وجه الخصوص - بعد الدراسات المعمقة التى استهدفت التعرف على عوامل المد والجزر لحركة الصناعة في دولة الكويت ، وبالذات في ضوء التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية - الدولية والأقليمية - والتى تدفع جميعها الى ضرورة مواكبة المستجدات العالمية والاستفادة من الفرص التى تتيحها التوجهات نحو العولمة في اطار التكتلات الاقتصادية وتحرير شروط التجارة.
وهكذا فقد أصبح من الضرورى توضيح الصورة المستهدفة للقطاع الصناعي على المدى البعيد ، وفق استراتيجية محددة المعالم والغايات والوسائل، تقوم على أساس تحديد مسارات الحركة المتاحة في المراحل المختلفة للعمل بها، واختيار حزمة السياسات المناسبة لبلوغ هذه الصورة.
ومن الواجب التنويه هنا أنه لا يكفى في هذا الصدد التأكيد على أن الصناعة هي أحد أدوات تنويع القاعدة الانتاجية ،بل يجب تحديد الوزن النسبي لهذه الأداة مقارنة بالأدوات الأخرى الممكنة. ذلك أن حساب التكلفة والعائد الاجتماعيين لعملية التصنيع ، سوف يختلف باختلاف رؤية المجتمع للدور المطلوب من القطاع الصناعي القيام به لتحقيق هذا الهدف.. الأمر الذى يلزم بضرورة تحديد نسبة مستهدفة للناتج المتولد من ذلك القطاع، والبحث عن نمط أمثل للتصنيع يتم تبنيه لتقريب هذه النسبة على مراحل متعاقبة ، بما يساعد على بلوغها في النهاية.
من هذا المنطلق فان الهيئة العامة للصناعة ، بحكم اختصاصها الذى قرره لها القانون رقم 56 لسنة 1996 الصادر بأنشائها ، ومن واقع مسئوليتها عن الأشراف على تنمية النشاط الصناعي.. تعرض هذا المقترح كمشروع لوثيقة الاستراتيجية الصناعية في دولة الكويت للفترة (2000 - 2015).
لقد تم صياغة هذا المشروع بما يؤكد التزامه بالمقومات الأساسية للاقتصاد والمجتمع الكويتي التى حددها "دستور دولة الكويت" في مواده المختلفة بالإضافة إلى القوانين والتشريعات، وبما تعكس انسجامهم مع المبادئ العامة لاستراتيجية التنمية بعيدة المدى بعد مراعاة ما استجد من متغيرات منذ اقرارها في ديسمبر 1989 . كما تم ضبط المفاهيم حول هذه الصيغة ومراحل العمل بموجبها في ضوء المقررات التنموية لمنظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي مقدمتها الوثيقة المعتمدة للاستراتيجية الصناعية الموحدة لهذه المنظومة.